البيان الختامي والتوصيات لمؤتمر: نحو ميثاق دعوي عالمي مفتوح
البيان الختامي والتوصيات لمؤتمر: نحو ميثاق دعوي عالمي مفتوح
البيان الختامي والتوصيات لمؤتمر: نحو ميثاق دعوي عالمي مفتوح – رقم: 2021/12
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فقد عقدت الأكاديمية الكندية لفنون الدعوة، بالتعاون مع الأمانة العلمية للميثاق الدعوي العالمي المفتوح، في يوم السبت 18/ 12/ 2021م، 13 جمادى الأولى 1443هـ، في كندا، عبر منصة زوم (zoom)، مؤتمرها العالمي العلمي النُخبوي الأول: (نحو ميثاق دعوي عالمي مفتوح)، وذلك بمشاركة ثلة كبيرة من الشخصيات العلمية والدعوية والأكاديمية، تزيد على عشرين ضيفاً متحدثاً، وبمشاركة بالحضور عبر التسجيل الرسمي والحضور الفعلي في المنصة لشخصيات متنوعة، مهتمة بالموضوع تزيد على أربعمئة مشارك، من أكثر من ثلاثين دولة حول العالم، حيث ناقش المؤتمرون المبادرة الدعوية العالمية العلمية التي أشرف عليها فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو الفتح البيانوني حفظه الله، والتي مرت قبل طبعتها الأولى بمدارسات ومناقشات مفتوحة، مع ثلة كبيرة جدا من العلماء والدعاة والخبراء في بلاد شتى من العالم، كما مرت بعدد من الحوارات والجلسات العلمية، والتي كان من أبرزها الندوة العلمية التي عقدتها مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت، ممثلة برئيس تحريرها فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الرزاق بن خليفة الشايجي حفظه الله، وذلك في رحاب كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت.
وقد خرج المؤتمرون من خلال مشاركاتهم وتعقيباتهم وتعليقاتهم بعدد من التوصيات المهمة، ومن أبرزها:
- التأكيد على أهمية العهود والمواثيق في حياة المسلم، فقد أخذ الله تعالى العهود والمواثيق الخاصة والعامة على عباده، على مر العصور والأزمان، لتعظيم وتفخيم ما تضمنته من وصايا وأحكام، لأن النسيان والفتور وضعف العزم طبيعة النفس البشرية، فكانت المواثيق تجديداً للعهد وتذكيراً بالوعد، وتعظيماً لأمر الله عز وجل.
- التأكيد على أنَّ مُهِمَّةَ الإصلاح والتَغْيير، ولا سيما في القضايا الكبرى للأمة مَنوطةٌ بمجموعة من الحكام والدعاة وعلماء الأمة وعقلائها، ولا يصح أنْ يُوكَلَ أمرُها للأفراد، أو الجماعات مُنْفردة، مهما عَلَتْ مُستوياتُهم، وعَظُمَتْ إمكاناتُهم، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)، (سورة النساء، 83).
- التأكيد على واجب العلماء الراسخين في العلم، والدعاة الربانيين، في ترسيخ قيم الوسطية الربانية وسلوكياتها المحمودة، وضبط مظاهرهها من التيسير والتبشير، مع مراعاة جلب المصالح ودفع المفاسد، بعيدا عن الإفراط والتفريط، لتعزيز خيرية الأمة القائمة على وسطيتها، وتَحَقّقها بالعدل الذي يُؤهلها لمقام الشهادة على الناس، اعتمادا على النقل الصحيح والعقل السليم، وصيانة العلم والدين وحفظهما عن الشبهات والمشوشات ومضلات الفتن، قال عليه الصلاة والسلام: (يحمِلُ هذا العِلمَ من كلِّ خلَفٍ عدولُه، ينفونَ عنهُ تحريفَ الجاهِلينَ، وانتحالَ المبطلينَ، وتأويلَ الغالين)، (مسند الإمام أحمد).
- التأكيد على أهمية اجتماع كلمة المصلحين الصادقين على الأصول والثوابت والكليات، وعلى الغايات والأهداف، وعلى المناهج والأساليب والوسائل المشروعة، عبر حوارٍ صادقٍ بَيْن المُجْتَمِعَة قلوبُهم فيما بينهم، والمُخْلصين المُهْتمّين بقضيّة الإصلاح والتغيير اهتماماً صادقاً، مع الاستعداد للتنازل عن آرائهم ومواقفهم الاجتهادية الفردية، أو الجماعية الخاصة بهم، عند اختلافها عن اجتهاد وآراء أكثريّتهم، وذلك لتوحيد كلمتهم وموقفهم، ورَصِّ صفوفهم، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا…)، (سورة آل عمران، 103)، وقال عليه الصلاة السلام: (إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..)، (صحيح مسلم، كِتَابُ الْأَقْضِيَةِ، حديث رقم 3338).
- التأكيد على حاجة العمل الإسلامي الدعوي إلى قاعدة من المعايير العلمية والاحترافية والمهنية، المؤصَّلة من الناحية الشرعية والفكرية، والمتوافق عليها من قبل العلماء والدعاة والخبراء، لتكون بوصلة يمكن الاهتداءُ من خلالها نحو الحق والصواب، وميزانا يمكن من خلاله قياسُ الجودة و المهنية، وحكما يمكن من خلاله تقويمُ الأخطاء والانحرافات، تحقيقا للتنمية المستدامة في مجال علم الدعوة، قال تعالى: (قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، (يوسف، 108).
- التنويه إلى أن طبيعة العصر ومتغيراته ومعطيات الواقع اليوم، من حيث التدافع على جميع الأصعدة، في عالم تتقارب فيه الحدود والثقافات، وتتباين فيه العلاقات، وتتداخل فيه التيارات، تؤكد حاجة المسلم إلى بوصلة حضارية تساعده على تحديد موقعه، ومعرفة وظيفته ليكون فاعلا إيجابيا، استثمارا للحاجة لدى الإنسان المعاصر إلى نقطة توازن تحقق له ذاتيته المفقودة، وتصون نفسه عن الاستغلال أو التهميش أو التطرف أو العنف المنتشر، ترسيخا للأمان المجتمعي والسلام العالمي.
- التنويه إلى أن مبادرة الميثاق الدعوي العالمي المفتوح تسهم في إخراج علم الدعوة من النظر إلى الفعل، وتحقيق التنمية الدعوية المستدامة في تفعيل طاقات المثقفين والمهتمين، وفتح آفاق دعوية أوسع أمام كل شخص يتوسم في نفسه القدرة على تحقيق الحد الأدنى من الفاعلية في محيطه، وفي مجال اهتمامه واختصاصه، ووفقا لقدراته الذاتية.
- التنويه إلى أن الميثاق الدعوي العالمي المفتوح ساعد في تخطي الصعوبات التي يعيشها الداعية المعاصر، والتي تراكمت في خضم المشكلات الداخلية والخارجية، والعقبات الكثيرة التي واجهت واقع العمل الإسلامي، باعتباره دليلا تَبَنَّى فلسفة جديدة في الدعوة، تتقاطع مع الأساليب التقليدية من ناحية تأصيلية، وتجدد في أساليب العمل من ناحية ثانية معاصرة، وتكون أكثر انفتاحا من ناحية ثالثة حضارية.
- التأكيد على تلبية الميثاق لبعض حاجات الدعاة، وخاصة الذين يقيمون في بلاد الغرب ويتعايشون مع أهلها، والذين يغلب على كثير منهم عدم التخصص في العلوم الإسلامية، باعتباره دليلا مرشدا لهم، مع التنويه إلى حاجتهم لإعادة صياغة العلوم الإسلامية، وخاصة علم الدعوة، صياغة متخصصة مؤصلة، ومتوافقة مع تطورات الواقع الدعوي ومتغيراته، تجمع بين أصول وقواعد علم الدعوة، وتعزز المهنية والحرفية في العمل الدعوي، مظهرة رسالة الإسلام السامية، بما تحمل من قيم إنسانية شاملة، وموسعة مجال بناء جسور التواصل والتفاهم والتعاون بين الأمم.
- يعتبر الميثاق الدعوي العالمي المفتوح لبنة أساسية في مشروع تجديد الخطاب الديني، من خلال تفعيل القيم والمبادئ الأساسية في الخطاب الإسلامي المعاصر، وإعادة تقويم المفاهيم الإسلامية وتقديمها إلى الآخرين، في حلة جديدة تبنى على القيم السامية من الوسطية والعدل والسلام، والأخوة الإنسانية، والوحدة الإسلامية، والتركيز على الانفتاح، وتنطلق من مبدأ القناعة بكرامة الجنس البشري، على اختلاف أديانه وطوائفه وأعراقه ومذاهبه، لترسم صورة الإسلام بصفته رحمة للعالمين.
- التنوية إلى أهمية الميثاق في محو الأمية الدعوية في وسط العمل الإسلامي، وخاصة مع انتشار الهجرة إلى بلاد الغرب، وكثرة الاحتكاك المباشر وغير المباشر بين المسلمين وغيرهم من أهل الثقافات الأخرى، حيث شاع الجهل في معرفة طبيعة الدين ومبادئه وثوابته، وفي فهم مقاصد الشريعة وأحكامها وتطبيقاتها، وخاصة فيما يخص التعامل مع الآخر، مما أدى إلى الغلو والتطرف، أو الانجرار وراء الدعوة إلى التنوير بالمفهوم الغربي الذي يدعو إلى فصل الدين عن الحياة، والذي يروج له كثير من المستشرقين والمستغربين، مما يتطلب حماية للمسلمين وهويتهم الخاصة، حفظا لأبنائهم وبناتهم من الاستدراج غير الإنساني نحو مزالق الفتن من قبل بعض المتربصين بالإسلام والمسلمين..
- التأكيد على أهمية توسيع مجالات الميثاق ومواده وبنوده، واعتباره نواة لمواثيق أخرى تتبعه وتبنى عليه، إما في نطاق إقليمي خاص يتناسب مع بعض البلاد ويراعي خصوصياتها، أو في إطار موضوعي محدد من أطر الدعوة ومجالاتها، كمجال دعوة غير المسلمين تحديدا، بما يتطلبه من معايير وقواعد خاصة، والتأكيد على أهمية تخصيص مواد وبنود تتعلق بالظروف الاستثنائية التي يتعرض لها الدعاة، من فتن وكوارث وضغوط وأزمات، مع مراعاة أولوية التنويه إلى القضايا المصيرية للأمة.
- التأكيد إلى أهمية الميثاق الدعوي العالمي المفتوح في الإسهام بعودة الوظيفة الدعوية إلى قواعدها الربانية، كما كانت في واقع القرون الأولى، بعيدا عن العصبية والحزبية والطائفية والمصالح الشخصية، فهو يمثل خطوة تجديدية في مسار العمل الإسلامي، الذي مر بكثير من الفتن والمشكلات والتحديات الداخلية والخارجية، مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنَّ اللَّهَ يبعثُ لِهَذِهِ الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مئةِ سنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها)، (سنن أبي داود).
- التنويه إلى أثر الميثاق في تهيئة الأرضية المناسبة والمهنية في ترسيخ وحدة الصف باعتبارها من أولى الواجبات وأعظم مقاصد التشريع، وتعزيز قيم التكامل والتعاون بين العاملين في الساحة الإسلامية، من طول النفس والصبر على مخالطة الناس على أساس المحبة والتراحم، مع التأكيد على عدم تعارض ذلك مع جواز الاختلاف في الاجتهادات الفردية، وتنوع الآراء والمواقف في المسائل الخاصة.
- التأكيد على أثر الميثاق الدعوي في إيجاد القيادة العلمية المفتوحة التي توحِّد الصفوف، وتبرز هوية وحقيقة الدعوة، وتعزز في الدعاة روح الانبعاث والتجديد، وتُفَعِّل طاقاتهم المرشدة بمساقاتها المتنوعة، ومجالاتها المختلفة، وتهيِّئ الشباب والجيل الصاعد للتفاعل الحضاري المثمر، عبر التواصل والحوار مع الآخر، وتفتح أبواب التكامل والتعاون على البر والخير، فالممارسة الدعوية تتطلب مرجعية معيارية يمكن من خلالها التقويم والترشيد، وتستلزم علما وفقها في الدين، وفهما ومعرفة بالواقع، وخبرة وحكمة ومهنية في التطبيق.
- التأكيد على أن من واجب الدعوة كما يمكن أن يفهم من وثيقة الميثاق الدعوي العالمي المفتوح: البيان الواضح وفق السياق الخاص، لأن الدعوة فن يجذب الناس إلى الخير، فبقدر وعي الداعية بحقيقة الدين وانسجامه مع الحياة، ومعرفته بواقع الناس، وقدرته على التعامل مع مختلف أصناف الناس وطبائعهم، بقدر ما يحقق النجاح، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)، (سورة إبراهيم، 4).
- التوصية بتشكيل مجلس عالمي دعوي مستقل، يرعي الميثاق الدعوي العالمي المفتوح، يقوم عليه كفاءات وخبراء من العلماء والأكاديميين والخبراء المتخصصين في علم الدعوة، ويكون مرجعية عالمية مهنية متخصصة في مجال الدعوة، تبادر إلى الحضور في كل حدث عالمي أو نازلة جديدة، يرجع إليها الدعاة، فتكون مصدرا يرفدُ نشاطهم، ومقوما ينير لهم بعض ما أشكل عليهم في طريقهم، وأرضية تتوافق عليها المواقف والتصريحات العامة، مع إمكان احتفاظهم بآرائهم الخاصة في الأمور الاجتهادية.
- التوصية للوزارات والمراكز والمؤسسات المعنية بالشؤون الإسلامية في العالم، بأن تفيد من هذه المبادرة المشكورة، باعتبارها مبادرة إصلاحية شاملة لمسيرة الدعوة والعمل الإسلامي، والعمل على تفعيلها وتعميقها من خلال التدريب والتأهيل، وعقد ورش العمل والندوات، وتنويع الحوارات حولها، وتدريسها في مراكز ومعاهد إعداد الدعاة والداعيات، تأسيَّا بالمجالس العالمية الفقهية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ودعم الدراسات والبحوث المتجددة لتطوير الميثاق الدعوي العالمي المفتوح.
- التنويه إلى أن الميثاق الدعوي العالمي المفتوح يعتبر خطوة مباركة في تجديد الخطاب الديني، ونقل العمل الدعوي من الارتجالية وردات الفعل إلى الاحترافية والعلمية، تحقيقا للتنمية المستدامة، وحفاظا على الاستقرار والأمن المجتمعي، وتحصينا للمصالح ودفعا للمفاسد عن الأمة، وتصحيحا للتصورات السلبية التي نتجت عن الممارسات الخاطئة، التي انتشرت في واقعنا المعاصر، والتي ترتب عليها آثار ومخاطر كثيرة ومتنوعة.
وفي الختام تقدم الضيوف والمشاركون في المؤتمر بالشكر والتقدير، إلى الأكاديمية الكندية لفنون الدعوة، وإلى الأمانة العلمية للميثاق الدعوي العالمي المفتوح، على هذه المبادرة المباركة، معلنين عن دعمهم ورغبتهم في المشاركة بالخطوات القادمة التي تسعى الأكاديمية القيام بها، كما أعلن رئيس مجلس إدارة الأكاديمية الكندية لفنون الدعوة عن شكره وتقديره للمشاركين جميعا، وفتح أبواب التعاون معهم، وتوقيع مذكرات التفاهم والتنسيق والتكامل مع جميع المهتمين، سائلا المولى عز وجل أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى، وأن يتقبل من الجميع صالح الأعمال، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
23 جمادى الأولى 1443هـ،
27/12/2021م
الأمانة العلمية
للميثاق الدعوي العالمي المفتوح
* * * * *